الأحياء والبيئةالعلوم الطبيعية

كيف يمكن للشباب إنقاذ الأرض

تهدد كبرى المشاكل البيئية العالمية حياتنا، فقد أوضحت التقارير العلمية الحديثة أننا مقصّرون في التعامل مع التغيّر المناخي  وفي الحد من فقدان التنوّع البيولوجي، الأمر الذي يجعل مناخ الأرض معرّضًا للتهديد، فيما تشهد الأنواع الطبيعية موجةً تجلب معها انقراضًا جماعيًا. وفي حين تستمر هذه المشاكل البيئية العالمية وتصبح أكثر إلحاحًا، يواجه صنّاع السياسات صعوباتٍ في وضع حلولٍ وتنفيذها لمساعدة المجتمع على التكيف. وبالنظر إلى الشلل الذي يعاني منه النظام الدولي، فقد ظهرت فئة جديدة من النشطاء على الساحة تشارك في مواضيع الحماية البيئية في أنحاء العالم، ألا وهي فئة الشباب. حيث يعرب جيل الشباب عن آرائه بكل ما أوتي من قوة، وذلك من خلال إلقاء خطاباتٍ في القمم العالمية للأمم المتحدة وتنظيم إضراباتٍ أو مظاهرات في جميع بقاع العالم طلبًا للتغيير. ولكن، هل يمكن لهؤلاء النشطاء الشباب أن يحقّقوا التحولات اللازمة التي بدورها ستحفّز الحكومات على اتخاذ إجراءاتٍ أكثر جرأةٍ بشأن تغيّر المناخ؟

لعلّ غريتا تنبرج، المرأة السويدية الأيقونة ذات الـ16 ربيعًا التي جذبت العديد من الأنظار إلى القضايا المناخية من خلال توجيه خطابها إلى مندوبي الدول في مؤتمر الأمم المتحدة الـ24 بشأن التغيّر المناخي في ديسمبر 2018، تمثّل رمزًا للتحوّل التام للأدوار التي عادةً ما يقوم بها البالغون والأطفال عند مناقشة السياسات. وبالرغم من الأهمية البالغة التي تتسم بها خطابات غريتا لمندوبي الدول، إلا أنه من المبهر رؤية مدى انتشار رسائلها لتُلهِم أعمال الشباب في شتى أنحاء العالم. فقد ألهمت كلماتها الحركة الدولية للإضراب المدرسي من أجل المناخ (والمعروفة باسم Fridays for Future أو الجُمُعات للمستقبل) والتي يقوم بها ملايين الطلبة (الذين سيصوّتون مستقبلًا) بالخروج في يوم الجمعة من مدارسهم في جميع أنحاء العالم، وذلك ليرى عامّة الناس مدى جدّيتهم في التعامل مع قضية تغيّر المناخ.

وليست الأعمال التي تقوم بها غريتا تنبرج سوى قطرةٍ من غيث الحركة الشبابية. حيث تعتمد هذه الحركة أيضًا على عددٍ كبيرٍ من المنظمات الممثِّلة للشباب في الحوكمة البيئية الدولية. وتمثّل العديد من هذه المنظمات الآن فئة الشباب لما لأصواتهم من أهمية بالغة. وتتخذ هذه المنظمات أشكالًا عدة وتشمل المنظمات التقليدية غير الحكومية مثل جمعية Friends of the Earth أو جمعية أصدقاء الأرض والتي أنشأت فروعًا للشباب مثل Young Friends of the Earth Europe أو أصدقاء الأرض الشباب أوروبا الذي اُفتُتِح عام 2007، كما تضم كذلك منظماتٍ أُنشأت خصيصًا لتمثيل اهتمامات الشباب في مواضيع بيئية عدّة مثل Youth For The Environment أو شباب لأجل البيئة التي أُنشأت عام 2010، وكذلك منظماتٍ أُنشأت خصيصًا لتمثيل اهتمامات الشباب في مواضيع بيئية محددة وفريدة مثل منظمة !Youth for Oceans أو شباب لأجل المحيطات التي تمارس أنشطتها منذ 2016، كما أن هناك منظمات تقليدية شبابية اعتنقت جزءًا من الأجندة البيئية العالمية مثل المنظمة العالمية للحركة الكشفية، بالإضافة إلى شبكات يقودها الشباب مثل 350.org التي أُنشأت في 2008 وهي منظمات لا تمثّل اهتمامات الشباب مباشرةً ولكنها تحت إدارتهم.

كما ينضمُّ النشطاء الشباب إلى شبكاتٍ شاملةٍ ومنظمات قائمة. فمنذ 2008، عملت الشبكة العالمية للشباب المعنية بالتنوع البيولوجي على عرض وجهات نظر النشطاء الشباب في مؤتمرات الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي. وكذلك الحال مع دائرة الأطفال والشباب التابعة لأمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (YOUNGO)، التي أصبحت منذ 2011 دائرة الشباب الرسمية لدى الأمانة، حيث أنها تجمع كل المنظمات الشبابية. ويمكن القول بأن جميع هذه المبادرات تبشّر بإضافة أفكارٍ جديدة ومتطلِّعة إلى السياسات البيئية العالمية.

علاوةً على التنوّع الذي يضفيه النشطاء الشباب، فقد يحفّزون التغيير في السياسات البيئية العالمية لأنهم يشكّلون خصائص ديموغرافية مختلفة مقارنةً بتلك التي يتّصف بها نشطاء المجتمع المدني التقليديون.

وتعدُّ إحدى السمات الفارقة والواضحة للعيان هي هيمنة الشابّات على الحركة الشبابية، حيث شكّلت الإناث ما يزيد على 66٪ من احتجاجات الجُمُعات لأجل المستقبل وتقوم شابّاتٌ إلى جانب غريتا بقيادة الحركة. كما نظّمت الشّابتان البلجيكيتان أنونا دي ويڤر (تبلغ من العمر 17 عامًا) وكيرا غانتويس (تبلغ من العمر 20 عامًا) حركة مسيرة المناخ في أوروبا. وقد أصبحت ناكابويي هيلدا فلاڤيا قائدةً شابّةً ذات مركزية للحماية البيئية في أوغاندا. ويعدّ هذا الأمر مؤشرًا بالغ الأهمية لتحفيز التغيير، ذلك لأن احتواء الاهتمامات المتعلقة بالجنسين وتحقيق توازنٍ أفضلَ بينهما في نطاق اتخاذ القرارات يحسّن من قدرتنا على مواجهة القضايا البيئية.    

ولعلّ التغيير ينبع من حقيقة أنّ هؤلاء النشطاء الشباب يمثّلون جسورًا تربط بين مختلف الأجيال، في الوقت الذي يشكّل فيه التغلب على الاختلافات بين اهتمامات كلّ جيل تحديًا كبيرًا أمام القضايا البيئية؛ ذلك لأن لها بُعدًا طويل المدى. ويعدّ النشطاء الشباب محلّ اهتمامٍ خاص حيث أنهم يجدون أنفسهم في خضم تحديات ما بين الأجيال، في حين يخوض بعض الشباب صعوباتٍ تتعلق بالفقر وتدني الوظائف، مما يجعلهم في وضعٍ مناسبٍ لإيجاد حلقة وصلٍ داخل الأجيال وفيما بينها وكذلك لتحفيز سياساتٍ بيئيةٍ تتسم بالفاعلية للتوفيق بين المصالح المتضاربة بين مختلف المجموعات.

ختامًا، يعبّر النشطاء الشباب عن مزاعم تتخطى قضايا الحماية البيئية الحالية ليعربوا عن قضايا ذات نطاقٍ أوسع تتعلق بالعدالة وحقوق الإنسان وعدم المساواة في السلطة. كما أنهم ينتقدون المنطق المعهود حاليًا والذي يعود بالنفع لمن يمتلكون السلطة أساسًا، حسب ما يراه بعضهم. وتشمل مطالبهم دعواتٍ لزيادة المشاركة والشفافية وكذلك المسؤولية. ويطالبون أيضًا بإعادة تعريف القواعد الديموقراطية، ليتسنى لهم الحصول على نصيبٍ أكبر من عملية اتخاذ القرارات. ولأن النشطاء الشباب هم من سيصوّت ويضع السياسات مستقبلًا، فقد يكون للنهج المهيمن والمتّبع حاليًا – والذي غالبًا ما يتمثّل في البرامج التعليمية – تأثيرًا أقل بكثير من العمل يدًا بيد مع الشباب لمواجهة المشاكل العالمية.   


بقلم: أماندن أورسيني | ترجمة: بدور الجابرية | تدقيق: منال الندابية | المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى